العنف بصراحة عامة أصبح ظاهرة في بعض المجتمعات، فأصبحنا نرى الزوجة تقتل زوجها والعكس، أو الأبناء يقتلون آباءهم والعكس، وهكذا والواقع أن هذا العنف الذي يتسم بالقتل وبالإيذاء وبالتهديد وبالإكراه له أسباب عامة قبل أن نخوض في السبب التفصيلي فأسباب العنف العامة هي: تغلب الجانب المادي على الجانب القيمي والجانب الديني في المجتمعات، فأصبح الناس يلهثون وراء المادة ويتركون الجوانب الروحية ويتركون الجوانب الدينية، وبالتالي انتشرت ظاهرة الاغتصاب، وظاهرة الرشوة، وظاهرة الاختلاس وظاهرة السرقة والقتل وغير ذلك، ثم سبب هام جداً اجتاح الأسرة المسلمة الآن وهو الاغتراب، فما معنى الاغتراب؟
هناك فجوة عاطفية وفكرية بين الآباء وبين الأبناء في بعض الأسر، أصبح الأب مهملاً دوره كقائد وكراعي للأسرة منشغلاً بعمله، ومنشغلاً بالبحث عن جمع المال الذي لا ينتهي أبداً ( وإنه لحب الخير لشديد) بل وأصبحت المرأة في بعض الأسر- بكل أسف- تقول أنا مثل الرجل في ترك البيت، وتترك بيتها للإعارة أو للسفر، أو للتنقل، أو لغير ذلك، وتهمل أبناءها، ونتيجة هذا الابتعاد من الأب وافتقاد صيغة الحوار بينه وبين أبنائه عوّض أبناءه بأن يغدق عليهم الأموال، هذا المال الذي أغدقه عليهم، تكون نتيجته الانحراف، والإدمان، والاغتصاب، وغير ذلك مما نرى الآن، ثم التفكك الأسري، هناك خلافات بين الزوجين وهي سنة من سنن الحياة، لأن الله – سبحانه وتعالى- جعل فروقاً في الطباع بين الرجل والمرأة، وسبحانه وتعالى الذي يجمع بينهما بهذا الميثاق الغليظ بالرغم من هذه الفروق، وهناك خلافات زوجية تعالج أمام الأبناء، فتؤدي أيضاً إلى هروب الأبناء من البيت وإلى انحرافهم وغير ذلك، ثم الإعلام الجماهيري، السينما والتلفزيون والقنوات، وما يرونه من أفلام القتل، ومن أفلام العنف، ومن أفلام الضرب، ولا شك أن الأبناء في سن معينة يتأثرون بما يشاهدونه وبما يرونه، وخاصة في سن الطفولة وسن المراهقة.
أما مسألة ضرب المرأة، فإن الله – سبحانه وتعالى- جعل النساء أمام قوامة الرجل صنفين:
الصنف الأول: قال فيه سبحانه وتعالى ( فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله) هؤلاء لا يتوجه إليهن لا عقاب ولا عتاب ولا أي شيء، حافظة لنفسها، وحافظة لزوجها في غيابه، ولأمواله، ولعرضه، ولشرفه، هذه الأم هي مدرسة.
أما الصنف الآخر: فقال فيه سبحانه وتعالى ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً).
ما هو النشوز؟ وكيف يعالج؟
النشوز هو الترفع، والعصيان قولاً أو فعلاً، والانقياد وراء الشيطان.
إذن زوجة نشزت عن واجباتها، وتركت أسرتها، وتركت أبناءها، ماذا يفعل الزوج لمقاومة هذه الزوجة الناشز، هل يطلقها أم يعالج هذا النشوز؟
فكان العلاج داخل الأسرة موكلا إلى الزوج، لا خارج أسوار الأسرة، كما يفعل الآن بعض الأزواج لأتفه الأسباب، وأتفه النزاعات تترك البيت وتذهب إلى أهلها، وتترك أبناءها بلا رعاية، الإسلام قال للزوج هناك علاج لمثل هذه الحالة فقط، حالة المرأة الناشز التي تربت في بيئة فاسدة، والتي تركت واجباتها نحو أسرتها، لا تطلقها، ولكن ابدأ بمخاطبة العقل، مخاطبة العقل عن طريق الموعظة والحكمة، والتذكير بواجباتها نحو أسرتها، إذا رجعت عن نشوزها بعد هذا العقاب بعد العظة.. فلا ضرب، ويجب أن يلتزم بذلك ( فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا) والتحذير من ربنا ( إن الله كان علياً كبيراً).
فإن فشل الزوج في خطاب العقل، ينتقل إلى المرحلة الثانية، وهي خطاب العاطفة، بأن يهجرها هجراً مقيداً في فراش النوم فقط، لا يقاطع كلامه معها مطلقاً، ولا يهجرها مطلقاً، وإنما يوليها ظهره عند نومه، فإن كان ذلك سيؤثر فيها وسترجع عن غيها، وتتوب إلى رشدها، ثم فإن أطعنكم، فإن فشل خطاب العقل، وفشل خطاب العاطفة، يأتي العقاب الثالث، وهو الضرب الخفيف غير المبرح.
وقد وجدت تفسيراً لمفكر إسلامي حديث، وهو الدكتور عبدالحميد أبو سليمان في تفسيره لقوله تعالى ( واضربوهن..) قال بإعلان العقوبة، إعلان العقوبة الهجر، أو إعلان عقوبة الوعظ، ولم يقل بحقيقة الضرب، ومع هذا فإن السنة النبوية بينت أن الضرب بالسواك الخفيف أو باللكم أو بغيره بعيداً عن الوجه، وألا يترك أثراً ، ولا شينا، بدليل قول الرسول- صلى الله عليه وسلم- حينما سأله أحد الصحابة: ما حق زوجة أحدنا عليه؟
قال عليه الصلاة والسلام: أن تطعمها مما طعمت، تكسوها مما اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت.
إذن هناك بعض الأزواج يتركون هذا التسلسل، ويتركون هذا الترتيب، ويبدؤون بالضرب، وقد تكون الزوج مطيعة للزوج ومطيعة لربها، ومع هذا ينحرف الزوج ويضرب هذه الزوجة، وبذا أساء هذا الزوج، وخرج عن المنهج الإسلامي بهذا السلوك الشاذ.
إذن الإسلام لم يفتح باب العنف، وإنما جعله عقوبة، لزوجة فشلت معها وسائل الإصلاح السابقة، وأيهما أخف على الأسرة ضرراً؟ هل يطلق أم يضرب ضرباً خفيفاً غير مبرح.